عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

السبت، 7 فبراير 2009

تقييم الذات: بين التقديس و التبخيس



مما لا شك فيه ، أن كل واحد منا يعيش و بداخله انطباع عن ذاته..

فأحمد مثلا يعيش و بداخله اعتقاد بأنه إنسان في منتهى القوة و النجاح و أصدقاؤه لا يستطيعون العيش من دونه ..

في حين أن طارقا يؤكد لنفسه كل يوم عدم مقدرتها على محادثة الآخرين، فما بالك بمخالطتهم و التفوق عليهم !

و ربما كان احمد أعطى لنفسه أكبر من حجمها و جعلها تعيش في وهم أدخله دائرة التقديس !؟
ومن المحتمل أن طارقا يمتلك قدرات هائلة تجعله إنسانا محبوبا و ناجحا لكنه انزوى بنفسه في ركن بعيد إلى أن وقع في حفرة التبخيس !

و بعيدا عن التقديس و التبخيس، يوجد التقييم الموضوعي المتزن..
فحتى و لو اختلفت مشكلة طارق عن مشكلة أحمد في شكلها، إلا أن المضمون يبقى واحدا ، و يتجسد في عدم مقدرة كل منهما على التوصل إلى تقييم ذاتي صحيح و موضوعي، يمكنه من رؤية نفسه على حقيقتها رؤية تؤهله لمعرفة القدرات الكامنة بداخله فيطورها و يستغلها (و هذا ما افتقده طارق عندما أجحف نفسه حقها و لم يعترف لها بقدرة أو مهارة) أو ليدرك العيوب التي تعتريه فيقف عندها و يصححها (و هذا ما غاب عن ذهن أحمد فلم يعترف لها بخطأ أو خسارة... !
)


فالحمد لله أن تاريخنا مليء بالنماذج البشرية المذهلة التي استطاعت أن تجسد الرقي بشتى أنواعه دون الوقوع في مغبّة العجب و الغرور .. أو أن تنحسر في غمرة الضعف و الخذلان !



رحم الله من أهدى لي عيوبي.. !

و لعلنا نقف وقفة مع الفاروق .. و هو الذي يفرق الله به الحق عن الباطل.. أمير المؤمنين .. عمر و ما أدراك ما عمر ! دعا الرسول بأن يعِزّ الإسلام به ..فكان ثانيّ الصحابة قربا منه صلى الله عليه و سلم ..قويّ ٌ في الحق، عدلٌ في المظالم .. و لقد بلغ الإسلام ذروة سنامه في عهد استخلافه !
عمر هذا و من لا يعرفه.. بقوته و نجاحه و عدله و انتصاراته.. هو الذي كان يقول : رحم الله من أهدى لي عيوبي ! هو الذي سأل سلمان الفارسي يوما عن عيوبه فلما قدم عليه قال له: ما الذي بلغك عني مما تكرهه؟ فاستعفى، فألح عليه فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة، وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل، قال: وهل بلغك غير هذا؟ قال: لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما!
هو الذي كان يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، فهل ترى عليّ شيئًا من آثار النفاق؟ فهو على جلالة قدره وعلو منصبه .. هكذا كانت تُهمته لنفسه رضي الله عنه !
فلِكل من سولت له نفسه إذن.. أن يصيبها عجب أو غرور .. فليضع مقارنة بسيطة بين قدراته و انجازاته..و قدرات عمر و انجازاته.. فلربما بعدها اقتنع بأنه أحق و أولى بالتنقيب عن عيوبه !



نحيل في بنيته.. جبار في شخصيته !

بعدما أسري بالرسول صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس، و كثر الكلام في مكة حول صحة روايته صلى الله عليه و سلم ، و بالغ المشركون في استهزائهم و سخريتهم، كان هناك شخص تصفه الكتب بأنه نحيل البنية ، غائر العينين ، ليِّن الطبع، رحيم القلب..
هذا الشخص ، في خضم هذا الحدث كان له موقف يهابه و لا يقدم عليه أشد الرجال ضخامة و بأساً!.. لقد واجه رؤساء قريش و أسيادها بكل شجاعة و قوة قائلا دون رهبة أو وَجل: إن كان قد قال فقد صدق !

و بموقفه الصادق هذا حُقَّ له أن يكون صدّيقاً.. بل الصديّيق.. و أن يكون الصّاحب.. ثاني اثنين..أُوذِي كثيرا في سبيل الله، جاهد بماله و نفسه.. فكان الخليفة الأول.. و هو أفضل رجال هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه و سلم


هنا تبرز موازين القوة الحقيقية بوضوح ..و تتعدى المظهر إلى جوهر الإنسان و مكنونه، هذا المكنون عندما يدرك حقيقة الوجود، و يتصل بالواجد .. تختفي الارتباكات النفسية و المعتّمات الفكرية لتبرز للإنسان حقيقة قدراته المُلزم بالتفتيش عليها و التنقيب ، إذا فهم حقيقة الاستخلاف في الأرض ، و فقه طبيعة الدور المنوط به، و لن يرضى بالعزلة و التصاغر.. و لن يقبل بالذل و الهوان!
و معيّة الله هي التي ستنير له درب تطوير هذه القدرات و تحقيق الانجازات.. فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.. و بالتوبة إلى الله تكتشف قدراتك!

ليست هناك تعليقات: