هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون وقد كادوا وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ; وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة عن المصير الذي انتهت إليه بسبب ذلك الخلل في الصف وبسبب ذلك الغبش في التصور وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر معركة بدر لتكون هذه أمام تلك مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ; ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة وأسباب النصر وأسباب الهزيمة ثم بعد ذلك ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ; لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين وفي جميع الأحوال ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة كما أسلفنا فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر لم تكن الكفتان فيها بين المؤمنين والمشركين متوازنتين ولا قريبتين من التوازن كان المشركون حوالي ألف خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان لحماية القافلة التي كانت معه مزودين بالعدة والعتاد والحرص على الأموال والحمية للكرامة وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة إنما خرجوا لرحلة هينة لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ; فلم يكن معهم على قلة العدد إلا القليل من العدة وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ومنافقون لهم مكانتهم ويهود يتربصون بهم وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة فبهذا كله يذكرهم الله سبحانه ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إن الله هو الذي نصرهم ; ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله الذي يملك النصر والهزيمة ; والذي يملك القوة وحده والسلطان فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ; وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال هذه هي اللمسة الأولى في تذكيرهم بالنصر في بدر ثم يستحضر مشهدها ويستحيي صورتها في حسهم كأنهم اللحظة فيها إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكانت هذه كلمات رسول الله ص يوم بدر للقلة المسلمة التي خرجت معه ; والتي رأت نفير المشركين وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح وقد أبلغهم الرسول ص ما بلغه يومها ربه لتثبيت قلوبهم وأقدامهم وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم وأبلغهم كذلك شرط هذا المدد إنه الصبر والتقوى ; الصبر على تلقي صدمة الهجوم والتقوى التي تربط القلب بالله في النصر والهزيمة بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين فالأن يعلمهم الله أن مرد الأمر كله إليه وأن الفاعلية كلها منه سبحانه وأن نزول الملائكة ليس إلا بشرى لقلوبهم ; لتأنس بهذا وتستبشر وتطمئن به وتثبت أما النصر فمنه مباشرة ومتعلق بقدره وإرادته بلا واسطة ولا سبب ولا وسيلة ما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الأمر كله إلى الله كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الأصيلة قاعدة رد الأمر جملة إلى مشيئة الله الطليقة وإرادته الفاعلة وقدره المباشر وتنحية الأسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة وإنما هي أداة تحركها المشيئة وتحقق بها ما تريده وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي وعلى تنقيتها من كل شائبة وعلى تنحيه الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب بين قلب المؤمن وقدر الله بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط كما هي في عالم الحقيقة وبمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن المؤكدة بشتى أساليب التوكيد استقرت هذه الحقيقة في أخلاد المسلمين على نحو بديع هادىء عميق مستنير عرفوا أن الله هو الفاعل وحده وعرفوا كذلك أنهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والأسباب وبذل الجهد والوفاء بالتكاليف فاستيقنوا الحقيقة وأطاعوا الأمر في توازن شعوري وحركي عجيب ولكن هذا إنما جاء مع الزمن ومع الأحداث ومع التربية بالأحداث والتربية بالتعقيب على الأحداث كهذا التعقيب ونظائره الكثيرة في هذه السورة وفي هذه الآيات يستحضر مشهد بدر والرسول ص يعدهم الملائكة مددا من عند الله ; إذا هم استمسكوا بالصبر والتقوى والثبات في المعركة حين يطلع المشركون عليهم من وجههم هذا ثم يخبرهم بحقيقة المصدر الفاعل من وراء نزول الملائكة وهو الله الذي تتعلق الأمور كلها بإرادته ويتحقق النصر بفعله وإذنه الله العزيز الحكيم فهو العزيز القوي ذو السلطان القادر على تحقيق النصر وهو الحكيم الذي يجري قدره وفق حكمته والذي يحقق هذا النصر ليحقق من ورائه حكمة ثم يبين حكمة هذا النصر أي نصر وغاياته التي ليس لأحد من البشر منها شيء ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون إن النصر من عند الله لتحقيق قدر الله وليس للرسول ص ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ; ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله وبالتأييد من عنده لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده ليقطع طرفا من الذين كفروا فينقص من عددهم بالقتل أو ينقص من أرضهم بالفتح أو ينقص من سلطانهم بالقهر أو ينقص من أموالهم بالغنيمة أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة أو يكبتهم فينقلبوا خائبين أي يصرفهم مهزومين أذلاء فيعودوا خائبين مقهورين أو يتوب عليهم فإن انتصار المسلمين قد يكون للكافرين عظة وعبرة وقد يقودهم إلى الإيمان والتسليم فيتوب الله عليهم من كفرهم ويختم لهم بالإسلام والهداية أو يعذبهم فإنهم ظالمون يعذبهم بنصر المسلمين عليهم أو بأسرهم أو بموتهم على الكفر الذي ينتهي بهم إلى العذاب جزاء لهم على ظلمهم بالكفر وظلمهم بفتنة المسلمين وظلمهم بالفساد في الأرض وظلمهم بمقاومة الصلاح الذي يمثله منهج الإسلام للحياة وشريعته ونظامه إلى آخر صنوف الظلم الكامنة في الكفر والصد عن سبيل الله وعلى أية حال فهي حكمة الله وليس لبشر منها شيء حتى رسول الله ص يخرجه النص من مجال هذا الأمر ليجرده لله وحده سبحانه فهو شأن الألوهية المتفردة بلا شريك بذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من هذا النصر من أسبابه ومن نتائجه وبذلك يطامنون من الكبر الذي يثيره النصر في نفوس المنتصرين ومن البطر والعجب والزهو الذي تنتفخ به أرواحهم وأوداجهم وبذلك يشعرون أن ليس لهم من الأمر شيء إنما الأمر كله لله أولا وأخيرا وبذلك يرد أمر الناس طائعهم وعاصيهم إلى الله فهذا الشأن شأن الله وحده سبحانه شأن هذه الدعوة وشأن هؤلاء الناس معها طائعهم وعاصيهم سواء وليس للنبي ص وليس للمؤمننين معه إلا أن يؤدوا دورهم ثم ينفضوا أيديهم من النتائج وأجرهم من الله على الوفاء وعلى الولاء وعلى الأداء وملابسة أخرى في السياق اقتضت هذا التنصيص ليس لك من الأمر شيء فسيرد في السياق قول بعضهم هل لنا من الأمر من شيء وقولهم لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ليقول لهم إن أحدا ليس له من الأمر من شيء لا في نصر ولا في هزيمة إنما الطاعة والوفاء والأداء هي المطلوبة من الناس وأما الأمر بعد ذلك فكله لله ليس لأحد منه شيء ولا حتى لرسول الله فهي الحقيقة الأصيلة في التصور الإسلامي وإقرارها في النفوس أكبر من الأشخاص وأكبر من الأحداث وأكبر من شتى الاعتبارات ويختم هذا التذكير ببدر وهذا التقرير للحقائق الأصيلة في التصور بالحقيقة الشاملة التي ترجع إليها حقيقة أن أمر النصر والهزيمة مرده إلى حكمة الله وقدره يختم هذا التقرير بتقرير أصله الكبير وهو أن الأمر لله في الكون كله ومن ثم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفق ما يشاء ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم فهي المشيئة المطلقة المستندة إلى الملكية المطلقة وهو التصرف المطلق في شأن العباد بحكم هذه الملكية لما في السماوات وما في الأرض وليس هنالك ظلم ولا محاباة للعباد في المغفرة أو في العذاب إنما يقضي الأمر في هذا الشأن بالحكمة والعدل وبالرحمة والمغفرة فشأنه سبحانه الرحمة والمغفرة والله غفور رحيم والباب مفتوح أمام العباد لينالوا مغفرته ورحمته بالعودة إليه ورد الأمر كله له وأداء الواجب المفروض وترك ما وراء ذلك لحكمته وقدره ومشيئته المطلقة من وراء الوسائل والأسباب
عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..
الأربعاء، 31 ديسمبر 2008
من الظلال..وقفات مع أحد
هكذا يبدأ الحديث عن المعركة التي لم ينتصر فيها المسلمون وقد كادوا وهي قد بدأت بتغليب الاعتبارات الشخصية على العقيدة عند المنافق عبد الله بن أبي ; وتابعه في حركته أتباعه الذين غلبوا اعتباره الشخصي على عقيدتهم وبالضعف الذي كاد يدرك طائفتين صالحتين من المسلمين ثم انتهت بالمخالفة عن الخطة العسكرية تحت مطارق الطمع في الغنيمة فلم تغن النماذج العالية التي تجلت في المعركة عن المصير الذي انتهت إليه بسبب ذلك الخلل في الصف وبسبب ذلك الغبش في التصور وقبل أن يمضي في الاستعراض والتعقيب على أحداث المعركة التي انتهت بالهزيمة يذكرهم بالمعركة التي انتهت بالنصر معركة بدر لتكون هذه أمام تلك مجالا للموازنة وتأمل الأسباب والنتائج ; ومعرفة مواطن الضعف ومواطن القوة وأسباب النصر وأسباب الهزيمة ثم بعد ذلك ليكون اليقين من أن النصر والهزيمة كليهما قدر من أقدار الله ; لحكمة تتحقق من وراء النصر كما تتحقق من وراء الهزيمة سواء وأن مرد الأمر في النهاية إلى الله على كلا الحالين وفي جميع الأحوال ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم والنصر في بدر كان فيه رائحة المعجزة كما أسلفنا فقد تم بغير أداة من الأدوات المادية المألوفة للنصر لم تكن الكفتان فيها بين المؤمنين والمشركين متوازنتين ولا قريبتين من التوازن كان المشركون حوالي ألف خرجوا نفيرا لاستغاثة أبي سفيان لحماية القافلة التي كانت معه مزودين بالعدة والعتاد والحرص على الأموال والحمية للكرامة وكان المسلمون حوالي ثلاثمائة لم يخرجوا لقتال هذه الطائفة ذات الشوكة إنما خرجوا لرحلة هينة لمقابلة القافلة العزلاء وأخذ الطريق عليها ; فلم يكن معهم على قلة العدد إلا القليل من العدة وكان وراءهم في المدينة مشركون لا تزال لهم قوتهم ومنافقون لهم مكانتهم ويهود يتربصون بهم وكانوا هم بعد ذلك كله قلة مسلمة في وسط خضم من الكفر والشرك في الجزيرة ولم تكن قد زالت عنهم بعد صفة أنهم مهاجرون مطاردون من مكة وأنصار آووا هؤلاء المهاجرين ولكنهم ما يزالون نبته غير مستقرة في هذه البيئة فبهذا كله يذكرهم الله سبحانه ويرد ذلك النصر إلى سببه الأول في وسط هذه الظروف ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إن الله هو الذي نصرهم ; ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله الذي يملك النصر والهزيمة ; والذي يملك القوة وحده والسلطان فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر ; وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال هذه هي اللمسة الأولى في تذكيرهم بالنصر في بدر ثم يستحضر مشهدها ويستحيي صورتها في حسهم كأنهم اللحظة فيها إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكانت هذه كلمات رسول الله ص يوم بدر للقلة المسلمة التي خرجت معه ; والتي رأت نفير المشركين وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح وقد أبلغهم الرسول ص ما بلغه يومها ربه لتثبيت قلوبهم وأقدامهم وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم وأبلغهم كذلك شرط هذا المدد إنه الصبر والتقوى ; الصبر على تلقي صدمة الهجوم والتقوى التي تربط القلب بالله في النصر والهزيمة بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين فالأن يعلمهم الله أن مرد الأمر كله إليه وأن الفاعلية كلها منه سبحانه وأن نزول الملائكة ليس إلا بشرى لقلوبهم ; لتأنس بهذا وتستبشر وتطمئن به وتثبت أما النصر فمنه مباشرة ومتعلق بقدره وإرادته بلا واسطة ولا سبب ولا وسيلة ما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الأمر كله إلى الله كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الأصيلة قاعدة رد الأمر جملة إلى مشيئة الله الطليقة وإرادته الفاعلة وقدره المباشر وتنحية الأسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة وإنما هي أداة تحركها المشيئة وتحقق بها ما تريده وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي وعلى تنقيتها من كل شائبة وعلى تنحيه الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب بين قلب المؤمن وقدر الله بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط كما هي في عالم الحقيقة وبمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن المؤكدة بشتى أساليب التوكيد استقرت هذه الحقيقة في أخلاد المسلمين على نحو بديع هادىء عميق مستنير عرفوا أن الله هو الفاعل وحده وعرفوا كذلك أنهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والأسباب وبذل الجهد والوفاء بالتكاليف فاستيقنوا الحقيقة وأطاعوا الأمر في توازن شعوري وحركي عجيب ولكن هذا إنما جاء مع الزمن ومع الأحداث ومع التربية بالأحداث والتربية بالتعقيب على الأحداث كهذا التعقيب ونظائره الكثيرة في هذه السورة وفي هذه الآيات يستحضر مشهد بدر والرسول ص يعدهم الملائكة مددا من عند الله ; إذا هم استمسكوا بالصبر والتقوى والثبات في المعركة حين يطلع المشركون عليهم من وجههم هذا ثم يخبرهم بحقيقة المصدر الفاعل من وراء نزول الملائكة وهو الله الذي تتعلق الأمور كلها بإرادته ويتحقق النصر بفعله وإذنه الله العزيز الحكيم فهو العزيز القوي ذو السلطان القادر على تحقيق النصر وهو الحكيم الذي يجري قدره وفق حكمته والذي يحقق هذا النصر ليحقق من ورائه حكمة ثم يبين حكمة هذا النصر أي نصر وغاياته التي ليس لأحد من البشر منها شيء ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون إن النصر من عند الله لتحقيق قدر الله وليس للرسول ص ولا للمجاهدين معه في النصر من غاية ذاتية ولا نصيب شخصي كما أنه ليس له ولا لهم دخل في تحقيقه وإن هم إلا ستار القدرة تحقق بهم ما تشاء فلا هم أسباب هذا النصر وصانعوه ; ولا هم أصحاب هذا النصر ومستغلوه إنما هو قدر الله يتحقق بحركة رجاله وبالتأييد من عنده لتحقيق حكمة الله من ورائه وقصده ليقطع طرفا من الذين كفروا فينقص من عددهم بالقتل أو ينقص من أرضهم بالفتح أو ينقص من سلطانهم بالقهر أو ينقص من أموالهم بالغنيمة أو ينقص من فاعليتهم في الأرض بالهزيمة أو يكبتهم فينقلبوا خائبين أي يصرفهم مهزومين أذلاء فيعودوا خائبين مقهورين أو يتوب عليهم فإن انتصار المسلمين قد يكون للكافرين عظة وعبرة وقد يقودهم إلى الإيمان والتسليم فيتوب الله عليهم من كفرهم ويختم لهم بالإسلام والهداية أو يعذبهم فإنهم ظالمون يعذبهم بنصر المسلمين عليهم أو بأسرهم أو بموتهم على الكفر الذي ينتهي بهم إلى العذاب جزاء لهم على ظلمهم بالكفر وظلمهم بفتنة المسلمين وظلمهم بالفساد في الأرض وظلمهم بمقاومة الصلاح الذي يمثله منهج الإسلام للحياة وشريعته ونظامه إلى آخر صنوف الظلم الكامنة في الكفر والصد عن سبيل الله وعلى أية حال فهي حكمة الله وليس لبشر منها شيء حتى رسول الله ص يخرجه النص من مجال هذا الأمر ليجرده لله وحده سبحانه فهو شأن الألوهية المتفردة بلا شريك بذلك ينسلخ المسلمون بأشخاصهم من هذا النصر من أسبابه ومن نتائجه وبذلك يطامنون من الكبر الذي يثيره النصر في نفوس المنتصرين ومن البطر والعجب والزهو الذي تنتفخ به أرواحهم وأوداجهم وبذلك يشعرون أن ليس لهم من الأمر شيء إنما الأمر كله لله أولا وأخيرا وبذلك يرد أمر الناس طائعهم وعاصيهم إلى الله فهذا الشأن شأن الله وحده سبحانه شأن هذه الدعوة وشأن هؤلاء الناس معها طائعهم وعاصيهم سواء وليس للنبي ص وليس للمؤمننين معه إلا أن يؤدوا دورهم ثم ينفضوا أيديهم من النتائج وأجرهم من الله على الوفاء وعلى الولاء وعلى الأداء وملابسة أخرى في السياق اقتضت هذا التنصيص ليس لك من الأمر شيء فسيرد في السياق قول بعضهم هل لنا من الأمر من شيء وقولهم لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ليقول لهم إن أحدا ليس له من الأمر من شيء لا في نصر ولا في هزيمة إنما الطاعة والوفاء والأداء هي المطلوبة من الناس وأما الأمر بعد ذلك فكله لله ليس لأحد منه شيء ولا حتى لرسول الله فهي الحقيقة الأصيلة في التصور الإسلامي وإقرارها في النفوس أكبر من الأشخاص وأكبر من الأحداث وأكبر من شتى الاعتبارات ويختم هذا التذكير ببدر وهذا التقرير للحقائق الأصيلة في التصور بالحقيقة الشاملة التي ترجع إليها حقيقة أن أمر النصر والهزيمة مرده إلى حكمة الله وقدره يختم هذا التقرير بتقرير أصله الكبير وهو أن الأمر لله في الكون كله ومن ثم يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفق ما يشاء ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم فهي المشيئة المطلقة المستندة إلى الملكية المطلقة وهو التصرف المطلق في شأن العباد بحكم هذه الملكية لما في السماوات وما في الأرض وليس هنالك ظلم ولا محاباة للعباد في المغفرة أو في العذاب إنما يقضي الأمر في هذا الشأن بالحكمة والعدل وبالرحمة والمغفرة فشأنه سبحانه الرحمة والمغفرة والله غفور رحيم والباب مفتوح أمام العباد لينالوا مغفرته ورحمته بالعودة إليه ورد الأمر كله له وأداء الواجب المفروض وترك ما وراء ذلك لحكمته وقدره ومشيئته المطلقة من وراء الوسائل والأسباب
الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008
غزة تحترق..و غدا احتفالات رأس السنة!!
و من المشاهد السّــــــــــــــاخرة أنقلها إليكم وسط خضم هذه المظاهرات:
سوف أتوقف عن هذا الحديث.. فلقد تذكرت أنّ غداّ ليلة رأس السنة، حيث من لم يذق طعم خمر سيذوقه هذه الليلة.. و من لم يضع سيجارة في فمه ستكون بدايته في هذه الليلة.. و من لم يقصد ملهى ليلي سيضع أولى خطواته هناك فيه هذه الليلة
السبت، 27 ديسمبر 2008
أوَ تزني الحُرًّة ..؟؟!
أوَ تزني الحُرَّة..؟؟
عندما أتخيل المجتمع الجاهلي و ما كان يموج فيه من فسوق و انحلال..
عندما أتخيل ذلك المجتمع الذي كان يعيش في عالم أقرب ما يكون للبهيمية منه للإنسانية..أكل و شرب و سكر و ثأر.. وأد للبنات.. و ربا في المعاملات و عبادة أصنام !
عندما أتخيل هذا المجتمع الذي عاشت فيه هند بنت عتبة بكل فسوقه الذي يعتريه و ظلامه الذي يكتسيه .. هند التي و حتى بعد اتصال الأرض بالسماء..و خروج هذا المجتمع الجاهلي من عالمه المحسوس إلى عالم الرقي و العزة و الكرامة.. ظلت تحارب الرسول صلى الله عليه و سلم عشرين سنة قبل أن يشرح الله صدرها للإسلام ! هند التي حرضت على قتل أسد الإسلام..هند التي ملِئ قلبها كرها و حقدا لدرجة رغبت معها بأكل كبد سيدنا حمزة رضي الله عنه!
هند هاته التي ربيت في هذا المستنقع ..فما كان لها من الحظ أن تفتح عينيها على الدنيا فتجد الإسلام كما وجدناه .. فتحت عينها على الدنيا و الدنيا مظلمة إذ لم يتنزل بعد نور الله.. لا وحي ولا قرآن و لا بعثة ..
هند هاته استوقفتني كثيرا و هي النّاشئة في كل هذه البراثين ..
استوقفتني عندما منًََََ الله عليها بمبايعة رسول الله ..
استوقفتني كثيرا عندما طلب صلى الله عليه و سلم من النساء ضمن ما طلب منهن أن يبايعنه عليه.. ألا يزنين !
استوقفتني و هي تقف باستنكار و احتجاج لتقول له: يا رسول الله..أوَ تزني الحرة؟ !!
لم تتقبل هند فكرة الزِّنا و هي التي عاشت في مجتمع جاهلي !
لم تتقبل هند فكرة الزِّنا و هي التي لم تذق بعد حلاوة العيش في كنف الإسلام.. !
لم تتقبل هند فكرة الزِّنا دون أن تحتاج لمعرفة أنه كبيرة من الكبائر.. عقابه شديد ووزره عديد !
حرّة هي ! حرّة هي.. بفطرتها المطمورة في عمقها و في عمق كل بني البشر.. الفطرة التي خلق الله الناس جميعا عليها و جعل دينه يحابيها و يزكيها
بعد كل هذا الذي استوقفني..
سألت نفسي..لماذا إذن البنات المسلمين )و هنّ بنات المسلمين( يقبلن على أنفسهن ما لم تقبل على نفسها امرأة غادرت للتو عالمها الجاهلي ؟ !!
ليتك يا هند تنظرين إلى حالنا اليوم من زنا و مقدماته..
فلربما لم تستنكري على رسول الله بندا من بنود بيعته !
زيد الما..زيد الدقيق
زيد الما..زيد الدقيق !
هكذا هو قانون صنع العجين، فعلى قدر الماء يكون الدقيق و على قدر الدقيق يكون الماء، و زيادة أحدهما تستوجب بالضرورة زيادة للآخر بقدر لا يجعلك تضطر لزيادة الأول من جديد، فتدخل في حلقة مفرغة لا تنتهي ! و لعل هذه الدقة في الموازنة التي يتطلبها صنع العجين، ما جعل أجدادنا يضربون به المثل في مختلف أمور حياتهم. فنجد هذه العبارة تتردد في أفواه كثير من المغاربة في مواقف مختلفة من الحياة، مجسدة بذلك هذه القاعدة الكونية الرهيبة في ترابط الأشياء يبعضها و اتصالها اتصالا وثيقا، فالتاجر يستخدمها مثلا عندما يريد أن يوصل إلى زبونه أن بضاعته كلما زادت جودتها زاد ثمنها، و المعلم لتلميذه ليفهمه انه كلما زاد مجهوده زاد تحصيله، و العامل لمستخدمه ليبلغه انه كلما زادت ساعات عمله زاد راتبه، و غيرها من المواقف الكثير..
و لكن إذا رجعنا إلى صنع العجين ، نجد الأم المحنكة في هذا المجال ، و هي تمرر سرها إلى ابنتها التي لم تكتسب بعد شيئا من الخبرة في ذلك ، تحدد لها الكميات التي تحقق لها هذا التوازن المشروط لنجاح عجينها، و لكن في نفس الوقت لا تجد مناصا من أن تقول لها عبارة تنم عن حكمة المغاربة من جديد: "عينك ميزانك"
هذه العين التي تزن هي بيت القصيد، فليس من المعقول أن يكون الماء و الدقيق القابلان للقياس بوسائل مادية مختلفة يطالب خالطهما رغم ذلك بأن يجعل عينه ميزانه، في حين أن مواقف الحياة التي نمر بها، غير قابلة لهذا القياس المادي الملموس ثم لا نحرص بعد ذلك على تواجد هذه النظرة الوازنة خلالها تاركين الأمور تسير خبط عشواء.
و لأن المقال يتضح بالمثال، أضرب مثلا واحدا تاركة للقارئ الفرصة ليستشف من حياته غيره الكثير. الطالب مثلا الذي يقضي وقته بين التلفاز و الانترنت ثم لعب الكرة الذي يليه بالضرورة وقفة مطولة في راس الدرب مع الرفاق، يمكنك أن تقدر المدة المتبقية لديه بعد كل هذا للاهتمام بدروسه و مراجعتها، فلو انه جعل "عينه ميزانا" أمام هذا الوضع الذي يعيشه، اعتقد انه سينظر بعيدا إلى حيث سينتهي به المطاف إذا استمر على هذا النمط من العيش ، و بذلك سيسعى إلى الموازنة بين كفتي اللهو بأشكاله المختلفة و دراسته التي تحدد مستقبله بشكل كبير بدل الاستمتاع لمدة قصيرة يليها تندم دهرا طويلا.
و بذلك أعتقد أن الفكرة التي ندندن حولها يمكن إجمالها في جملة واحدة: زيد من العشوائية و اللامبالاة زيد من الأخطاء و التحسر و الندامة، زيد من الموازنة و التخطيط و حسن التدبير زيد من النتائج الإيجابية المبهرة.