عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

الثلاثاء، 13 يناير 2009

عضال البديهيات.. في زَمن الإخوة!



قديما )لأني لم أعد كذلك( كنت أعتقد أن هناك أشياء تسمى" بديهيات"، بمعنى أني لا أتوقع.. (أقصد لم أكن أتوقع ) أنها من المحتمل أن تخضع للنقاش ، الجدال، الشك، الأدلة، التبرير.. كنت أعتقد انها فوق كل هذه الأشياء ، جلية واضحة .. مثل وضح النهار الذي لا يعكر صفوه سحابة أو غمامة أو كسوف أو خسوف ... و لكن قدر الله ، و سبحان المُقدر حينما يريد أن يُـقدر، أن تعبت أعصابي قليلا شديداً .. عند تشخيص المرض.. تبين أن الداء الذي ُيورد الهلاك و أوشكَ أن يُوشك بي شيئا منه و العياذ بالله: "وجود بديهيات في حياة الإنسان" !

لم يكن أمامي خيار آخر. قررت أن أتخلص من هذا العضال بعد أن تأكدت أنه من أهم أسباب ارتفاع الضغط و القلب و السكري و بوصفير و بوحمرون .. و أشياء أخرى عافنا الله و إياكم منها جميعاُ..

و إليكم يا سادة فيض من غيض، حيث أني كنت أضن،أعتقد، أجزم ) هداني الله( أن إسرائيل دولة شريرة قامت باغتصاب أراضي إخواننا الفلسطينيين ، و شردتهم و هجرتهم، و أنه ) هداني الله( الحرب الأخيرة على غزة ما كانت سوى جزء من هذا العدوان الغاشم المستمر..

و كنت أشاهد بأمّ عيني الطائرات و هي تقصف سماء غزة، و أشاهد بأم عيني عباس يصافح اولمرت و مبارك يهمس في أذن ليفني، و كان من ضمن "بديهياتي العضالية" أن هذه المسرحيات السياسية مفضوحة ممسوخة و منظورة بالعين المجردة دون الحاجة لاستعمال ميكروسكوب ، و دون الحاجة أيضا لاستعمال المخ و المخيخ و البصلة السيسائية !

و لكن للأسف الشديد، يبدو أن الأمر ليس كذلك، تسرعت كثيرا كثيرا ، تسرعت في تبني مثل هذه الأفكار( البديهية) دون عناء ، لقد غشتني دماء الأطفال و النساء و الشيوخ ، غشتني مناظر البيوت المدمرة و الأشلاء المبعثرة .. ثم غلبني داء (البديـ...) في اتهام إسرائيل و تحميلها مسؤولية ما يجري ، و لقد كان من بين أسباب هذا اللبس العظيم الذي وقعت فيه أن حتى وسائل الاعلام الاسرائلية قامت بعرض هذه المناظر المروعة بما فيها قناة العربية و البي بي سي و يدعوت احرنوت! .. كانوا يقولون جميعا أن الطائرات التي تقوم بالقصف هي إسرائيلية!!

رغم كل هذا .. فليس لي العذر إذ تسرعت ! كان يجب أن أحضر الميكروسكوب لأنظر بوعي خارج كل إطارات الوعي المتعارف عليه عقلياً لأدرك بأن صواريخ المقاومة هي التي تسببت في كل هذا الدمار، المقاومة هي التي ضيعت الأرض و الشعب و ضيعت كل الشيء !

ويالحماقتي! كان يجب علي أن أفهم مثل العباقرة الأباطرة الذين فقهوا بعمق إطلاعهم و فهمهم أن الفلسطينين هم من باعوا أراضيهم، و بالتالي يجب عليهم أن يتحملوا ما يجري لهم.. دون أن يقحمونا في مشاكلهم الخاصة!

كان يجب علي أن استعير منهم البصلة السيسائية و أعيرهم بدلها بصلة مطبخية لعلها تكون كفيلة باستفزاز شيء من دموعهم التي بقيت مستعصية حتى أمام كل تلك المناظر الإنسانية المفجعة

نعم أيها الإخوة، الإخوة الإخوة، نعم ..الفلسطينيون هم من باعوا أرضهم و المقاومة تُسبب في القضاء على ما تبقى بإطلاق صواريخ على إسرائيل المسالمة الناعمة بالأمن و الأمان ، فلتنعموا أنتم أيضا مثلها – أيها الإخوة – بنعيمها و لا يعكرنّ صفو أحدكم إحساس بالمهانة أو تأنيب ضمير.. أو حتى شيء من الشفقة و التعاطف الآدمي .. و لـتشربوا البيبسي و الكوكا كولا هنيئا مريئا حميما زمهريرا ..و لـتأكلوا شطائر المكادونالز ساخنةً ملتهبةً زقّوما

أما بدهياتي .. رغم أني ادعيت إني شفيت منها.. لكن ليس لدرجة أستطيع معها أن أجعلها في موضع نقاش و تبرير و أدلّة

ربما ..في المرة القادمة، يكون الشفاء تاماُ..فأقدم لكم شرحاُ.. أيها الإخوة!

الأربعاء، 7 يناير 2009

قطرة..قطرة، يحمل الواد

قبل بدء العدوان الأخير على غزة، كنّا في حوار حكت لنا فيه أحد الصويحبات قصة يهودي جاءه متسول مسلم يطلب صدقة..فأعطاه درهم، بعد ذلك بمدة وجيزة جاءه متسول آخر.. و لكن كان يهوديا هذه المرّة ، فزجره قائلا : سير تخدم على راسك !

في هذه القصة.. ربما يستحوذ على أغلب من قرأها تعليق: " شوف ليهود ولاد الحرام "!! .. فيستغرق العقل في التأمل/ التعجب /الانبهار من موقف اليهودي.. إدراكه لأهمية العمل.. نصيحته لابن جلدته و عدم ارتضاء التسول له !

لكني داخل هذا المشهد وجدت نفسي و قد نسيت البطل.. استغرقت أفكر في صاحب الدور الهامشي: متسول مسلم

أخذ الدرهم و انصرف... و هكذا هو منذ حين من الدهر، يأخذ الدرهم و ينصرف لينام / ليأكل/ ليلهو/ ليتسول من جديد

و اليهودي لازال يزجر صاحبه كي يعمل و لا يجد ضيرا من إغداق مزيد من الدراهم على "متسول مسلم" !

قصة صغيرة، تجسد الواقع الكبير/ المرير ، فقط لنعلم أن مثل هذه المشاهد المتعثرة هي التي تصنع فلمًا تقصف فيه الحمم من الطائرات..و أن مثل هذه المواقف الفردية المتناثرة هي التي تصنع الموقف الجماعي الحاسم

وبما أن الأجداد قالوا ذات يوم : قطرة .. قطرة يحمل الواد، بدأت أعتقد يقينا أن حياة كل فرد هي عبارة عن مشاهد/مواقف تشكل في مجموعها قطرات..نأمل في أن يحمل بها الواد يوما!

السبت، 3 يناير 2009

غزة..الشهداء!


في ساحة المعركة..
عندما ينحني الخنصر و البنصر..
و ينحني معهم الإبهم و الوسطى ..

عندما ينحني هؤلاء جميعا..
ليتركوا المجال فسيحا للسبّـــابة..
لتنطلق في علو و هامة..
لــــــــــتــعــلــن الشّهادة
!!!
ندرك بوضوح..
أن بدرًا و أحداً ليستا من التاريخ..
بل هما الواقع المتجدد المكرور..
هما اليوم بكل الحذافير..
غير أنّ محمداً ليس بين أظهرنا.. ليقول لنا رأيت فلانا يطأ الجنة..
أو رأيت فلانا تحمله الملائكة..
و إن فلانا وجد ما وعده ربّه حقّا!!

ولكننا ندرك ذلك بعمق الاعتقاد .. عمق الإيمان .. عمق الرسالة.




"و إذ نصركم الله ببدر و أنتم أذلة".. "ليتخذ منكم شهداء".. "ليميز الخبيث من الطيب"..
كلها مشاهد تعصف بي..
دون أن أحتاج تخيل صور من التاريــخ
فالصور كلها حاضرة هنا..
نراها بأم العين!
إنه القرآن يتنزّل اليوم..
و محمّدٌ فــينا
ليس جسدًا..
بل دمًا يجري في العروق!!