عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

الاثنين، 1 أغسطس 2011

ثورة رمضان... في رمضان الثورة !


سهام أمسغرو- الرباط - الجزيرة توك

*الرابط: http://aljazeeratalk.net/node/8249



لقد كان من الملفت جداً الحضور القوي ليوم الجمعة خلال الثورات العربية التي نشهدها، حيث كانت أغلب اللحظات المفعمة بالقوة والحشد الجماهيري مرتبطة بصلاة يوم الجمعة التي شكلت فرصة للثائر العربي لإشعال حماسه وتجديد سموه الأخلاقي الذي ينشد من خلاله الحرية والكرامة و يتجرد به من الخوف على الذات و يقبل التضحية من أجل المصالح المتعدية.
هذا الشعور الديني الذي شهدناه حتى في صلاة الأقباط إلى جانب المسلمين في ميدان التحرير في مصر، يبدو واضحاً أنه جزء لا يمكن فصله عن روح الثورة و كيانها، و كما يقول المفكر علي عزت بيجوفيتش، فإن المجتمع العاجز عن التدين هو أيضاً عاجز عن الثورة، حيث يعتبر أن مشاعر الأخوة والتضامن والعدالة هي مشاعر دينية في صميم جوهرها، وإنما موجهة في الثورة لتحقيق العدالة و الجنة على هذه الأرض[i].
و لعلكم لا تختلفون معي في عدم وجود فترة يكون فيها هذا الشعور الديني في أرقى تجلياته وتوهجه مثلما يكون في أيام رمضان ولياليه المباركة. و إذ أهل علينا ، فلا بد أن تسود حالة من الاستعداد مليئة بالترقب لما قد نفاجئ به في هذا الشهر المختلف جدا من تاريخ أمتنا العربية الإسلامية.
رمضان..شهر التغيير !
 عندما كان اليأس يدب في أوصال أمتنا و كنا نمشي متثاقلين، نعدّ الهزائم و نضمد الجراح دون أن يخطر ببالنا أن ثورةً ستحدث في تونس، ثم مصر، ثم اليمن فليبيا فسوريا، وحراك لا يخبو هنا و هناك. كانت رمضاناتنا تمر مروراً سريعاً لا يكاد يُخلف أثراً، رغم كل ما نعيده ونكرره حول أهمية هذا الشهر في بناء نفوس قادرة على التغيير، وذكر الأمجاد الغابرة التي كان لرمضان الحظ الأوفر منها، وأصبح رمضان أمتنا شهرا للسمر والمسلسلات بامتياز بعد أن كان شهر بدر وفتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت وغيرها من الانجازات والانتصارات !
وإذ يبدو هذا العام مختلفاً، أصبحنا نتوقع أن يكون رمضانه لا يقل اختلافا؛ ومن يدري، قد تكون صلوات التراويح اليومية كلها أيام جمعة للثورة، وربما سنقول: شهر رمضان سيغير هذه المرة كما لم نقلها من قبل.
و لكن، ما لا يجب أن نغفل عنه هو أن:
التغيير... يبدأ من النفس
فبعد أن علت الأصوات المطالبة بالتغيير، وصدحت قهراً مطالبة بحقوقها المهضومة وثرواتها المسلوبة، يجدر بنا أن نرفع صوتاً لا يقل علوا نطالب من خلاله أنفسنا لتقوم بالواجب، الواجب الذي أصبح المواطن العربي يفرط فيه ربما من كثر سخطه وتذمره، لكن إذا كانت الثورة تهدم فساداً قائما، فإنها لن تبني وطنا أفضل... إلا إذا ارتفع صوت الواجب بالموازاة مع صوت الحق[ii] إذا كنا نسعى فعلا إلى تغيير حقيقي.
القيام بالواجب الذي لا يعتبر شيئا آخر غير الثورة على النفس، لن نجد فرصة ذهبية تشبه رمضان لننطلق من خلاله، رمضان... الذي يعتبر مدرسة حقيقية لتقوية العزائم وتربية الإرادات، والسمو بالأخلاق إلى مرتبة العطاء و التميز.
فهاهي  الثورة أشعلت فتيل التغيير من باب هدم الفساد، فهل سيشعل رمضان فتيل ثورة التغيير من باب البناء، بناء الفكر الذي ينهض بالأمة، بناء الأخوة والتضامن الذي يكفل الإتحاد والقوة، بناء الأفراد المتميزين الذين يحققون الإضافات النوعية.
أيها الرمضان، من فضلك، كـُن مثل عامك هذا - ثائرا- ولكن ليس على حكامنا فقط... ولكن على ذواتنا أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[i]أنظر "الإسلام بين الشرق و الغرب" -علي عزت بيجوفيتش – ص 114-115 |الطبعة الأولى|.
[ii]يتحدث مالك بن نبي في كتابه "شروط النهضة" عن "إنسان النصف" الذي يطالب بحقوقه فقط و لن يحقق أي تغيير بذلك، في المقابل يتحدث عن "إنسان الواجب" الذي لن تقوم أي نهضة حضارية إلا من خلاله.