عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

السبت، 27 ديسمبر 2008

زيد الما..زيد الدقيق

زيد الما..زيد الدقيق !

هكذا هو قانون صنع العجين، فعلى قدر الماء يكون الدقيق و على قدر الدقيق يكون الماء، و زيادة أحدهما تستوجب بالضرورة زيادة للآخر بقدر لا يجعلك تضطر لزيادة الأول من جديد، فتدخل في حلقة مفرغة لا تنتهي ! و لعل هذه الدقة في الموازنة التي يتطلبها صنع العجين، ما جعل أجدادنا يضربون به المثل في مختلف أمور حياتهم. فنجد هذه العبارة تتردد في أفواه كثير من المغاربة في مواقف مختلفة من الحياة، مجسدة بذلك هذه القاعدة الكونية الرهيبة في ترابط الأشياء يبعضها و اتصالها اتصالا وثيقا، فالتاجر يستخدمها مثلا عندما يريد أن يوصل إلى زبونه أن بضاعته كلما زادت جودتها زاد ثمنها، و المعلم لتلميذه ليفهمه انه كلما زاد مجهوده زاد تحصيله، و العامل لمستخدمه ليبلغه انه كلما زادت ساعات عمله زاد راتبه، و غيرها من المواقف الكثير..

و لكن إذا رجعنا إلى صنع العجين ، نجد الأم المحنكة في هذا المجال ، و هي تمرر سرها إلى ابنتها التي لم تكتسب بعد شيئا من الخبرة في ذلك ، تحدد لها الكميات التي تحقق لها هذا التوازن المشروط لنجاح عجينها، و لكن في نفس الوقت لا تجد مناصا من أن تقول لها عبارة تنم عن حكمة المغاربة من جديد: "عينك ميزانك"

هذه العين التي تزن هي بيت القصيد، فليس من المعقول أن يكون الماء و الدقيق القابلان للقياس بوسائل مادية مختلفة يطالب خالطهما رغم ذلك بأن يجعل عينه ميزانه، في حين أن مواقف الحياة التي نمر بها، غير قابلة لهذا القياس المادي الملموس ثم لا نحرص بعد ذلك على تواجد هذه النظرة الوازنة خلالها تاركين الأمور تسير خبط عشواء.

و لأن المقال يتضح بالمثال، أضرب مثلا واحدا تاركة للقارئ الفرصة ليستشف من حياته غيره الكثير. الطالب مثلا الذي يقضي وقته بين التلفاز و الانترنت ثم لعب الكرة الذي يليه بالضرورة وقفة مطولة في راس الدرب مع الرفاق، يمكنك أن تقدر المدة المتبقية لديه بعد كل هذا للاهتمام بدروسه و مراجعتها، فلو انه جعل "عينه ميزانا" أمام هذا الوضع الذي يعيشه، اعتقد انه سينظر بعيدا إلى حيث سينتهي به المطاف إذا استمر على هذا النمط من العيش ، و بذلك سيسعى إلى الموازنة بين كفتي اللهو بأشكاله المختلفة و دراسته التي تحدد مستقبله بشكل كبير بدل الاستمتاع لمدة قصيرة يليها تندم دهرا طويلا.

و بذلك أعتقد أن الفكرة التي ندندن حولها يمكن إجمالها في جملة واحدة: زيد من العشوائية و اللامبالاة زيد من الأخطاء و التحسر و الندامة، زيد من الموازنة و التخطيط و حسن التدبير زيد من النتائج الإيجابية المبهرة.

ليست هناك تعليقات: