عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

الجمعة، 18 مايو 2012

بيجوفيتش..ينتصر للإنسان !






لأنه هو القائل: “لو لم يكن الليل لكنا بقينا عاجزين عن رؤية السماء ذات النجوم، وهكذا يجردنا الضوء بعض الرؤية في حين أن العتمة والظلام يساعداننا على أن نرى شيئا”.. كان لابد للعتمة الشيوعية شديدة الظلمة أن تكون سببا في بزوغ نجمه.. وسطوع نوره المتلألئ, الذي أضاء العالم بقطبيه الغربي والشرقي، في ثنائية عجيبة  تشبه فلسفته التي يُعرِّف من خلالها الإسلام ويُدهِش بها الأفهام!
علي عزت بيجوفيتش، ثمانية وسبعين عاماً أُسدِل ستارها في 19 أكتوبر 2003، تبدو سنوات زهيدة جدا بالمقارنة مع عظيم إنجازات شخص جمع بين الجهاد والسياسة، والفكر والإبداع والفلسفة!
إنه رئيس البوسنة والهرسك، الذي ينتمي إلى أسرة بوسنية عريقة، وهب حياته لمعاناة شعبه وللتصدي للظلم الذي يحيق به، حمل مشروعه الإصلاحي، ودوّن فكره وفلسفته بين نضال وسجن. هو ذاك الرجل المسلم الذي ترعرع في كنف العالم الغربي، فجمع بين الإسلام الصحيح والتمكن العميق من فلسفة الغرب وثقافته، فكان أن أتحفنا في باكورة أعماله “الإسلام بين الشرق والغرب” بفلسفة جديدة هزت الأوساط المثقفة بجميع توجهاتها..
بين المادة والروح .. ثنائية بيجوفيتش!
يضع بيجوفيتش ثلاث رؤى يعتقد أنه لا يمكن تفسير العالم على نحو آخر غيرها؛ الرؤية المادية، الرؤية الروحية، والرؤية الإسلامية.
ثم يقوم من خلال أسلوب فلسفي عميق بإظهار عجز الفلسفة المادية عن تفسير مكنون إنسانية الإنسان، وعدم قدرتها على احتواء العديد من الظواهر كالفن والأخلاق.
في المقابل يبين أن الرؤية الدينية المستغرقة في الجانب الروحي ليست كافية للاستجابة لواقعية الحياة الإنسانية ولا يمكن اعتمادها كبديل للطرح المادي، كما أن الطرح المادي لن يكون بديلا للطرح الديني. وهنا يقدم الحل المتمثل في الإسلام بصفته وحدة ثنائية القطب، تمزج بين المادة والروح دون صراع أو تنافر.
ولقد تجسدت قوة طرح بيجوفيتش في اعتماده على الآراء الفلسفية الغربية التي يبدو بوضوح تمكنه الشديد منها، حيث استطاع أن يدحض الرؤى الغربية للعالم من خلال أفكارها وثقافتها، واستطاع أن يهدم البنية المادية بذكاء شديد من خلال كشف قصورها وعدم مقدرتها عن استيعاب مفهوم الإنسانية، فكان الإنسان “الطبيعي” في مقابل الإنسان “الإنسان”, هو الوتر الرئيس الذي عزف عليه علي عزت عزفا مستغرقاُ في الجمال..
كشف لنا عن شخصية عميقة الفكر مشبعة بالإيمان محيطة بالإيديولجيات والأفكار إحاطة تمكنه من أن يستقوي عليها ويضعها في ميزان النقد بأسلوب واثق أكيد، ومنطق متألق فريد!
إنه علي عزت بيجوفيتش، الذي دافع عن إنسانية الإنسان بفكره وفلسفته، ثم دافع عن  إنسانية الإنسان بنضاله وجهاده، فكان بحق: الفيلسوف المجاهد!

ليست هناك تعليقات: