عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

السبت، 7 أبريل 2012

عَلى حافّة الموضوعية.. هاوِية الهَوى !




إنّ التفكير الموضوعي هو إعمالٌ للعقل بطريقة ينتج عنها فكر متوازن عميق لا يخضع لمؤثرات غير المنطق السليم و الحجة الدامغة و الرغبة الصادقة في طلب الحق. و من هنا كان ضروريا أن يُشكل التجرد من الهوى – بصفته واحدا من أهم هذه المؤثرات - عنصرا أساسيا في بناء الموضوعية الفكرية. إنه تخليص للإدراك العقلي من شوائبٍ قد تحول دون  إقرار الإنسان بالفكرة السليمة ليس لشيء سوى لأنها لا تتماشى مع مزاجه أو شهوته أو هوى نفسه، وكما قال مصطفى السباعي: أكثر ضلال الناس من أهوائهم لا من عقولهم !

فعندما يقول رب العزة في كتابه الحكيم: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم} فهو يكشف حقيقة قرار المشركين عندما اختاروا الإعراض عن طريق الإيمان. إنهم لم يرفضوه نتيجة اقتناع  بـ" علم"، وإنما كان رفضهم  نتيجة اتباع لأهوائهم الشخصية.. و لذلك فإن المشركين عندما كانوا يغلقون آذانهم كي لا يستمعوا إلى كلام الله المرتل بصوت نبيه الكريم فإنهم لم يعرضوا لأن فحوى الدعوة المحمدية لم يرقَ إلى قناعاتهم العقلية، فهم لم  يطلعوا عليه أساسا، ولكنهم رفضوه لأنهم لم يتجردوا من أهوائهم التي لا تقبل التغيير و تفضل المكوث في العقلية التي كان عليها آباؤهم.

 و إذا نظرنا إلى فرعون، أولم يكن يصِرُّ على لعب دور الإله حتى آخر لحظة تبين له فيها زيف عرشه الذي اصطنعه هواه؟ ،بل أوليس الحاكم العربي اليوم يعيش في عزلة فكرية نسجت شباكها شهوة السلطة فتعارضت مع كل المعطيات الواقعية الموضوعية  فأودت به إلى ما نراه اليوم !؟
أوليس الرأي الدولي الذي يتفرج على المجازر السورية محكوما بهوى المصالح التي  تجعل من الدماء المسفوكة رخيصة إلى هذا الحد؟ أوليست القضية الفلسطينية خاضعة لنفس المعايير من قبل؟ ! 

إن خطورة عدم التجرد من الهوى تكمن في لحظة الحسم بين أفكارٍ تحتاج إلى إعمال العقل المبني على الاستدلال و الحجة و البرهان، فيأتي الهوى بحُجبِه ليصرف الفكر عن كل ذاك ليتربع هو على عرش القرار، فيهلك صاحبه بِردِّه عن الحق و طرحه في براثين الضلال،  وكما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "و صاحب الهوى يعميه الهوى و يصمه"

و الحقيقة أن كل فكرة تُطرح في ميزان الموضوعية فهي تحتاج لتجرد من الهوى، و هذا أمر عسير إلا على من صدق في طلب الحق، و أخلص في تمحيص الرؤية ! لأن الشهوة قد تتلبس أحيانا بلباس العقل بحيث تقدم مبررات تحت مسمى المنطق، و لكن لا يخضع لتأثيرها من قدّم الحق على ما سواه و رغب في الوصول إليه متجردا له، فالصدق و التحري في خبايا النفس و اتهامها إلى حين ثبوت براءتها من مراوغاتها المشبوهة التي تبغي بها التحايل على العقل هو السبيل للنجاة من هاوية الهوى.. 
ومن النماذج المبهرة لهذا التمحيص من أجل التجرد من الهوى قصة سيدنا علي في إحدى المعارك، عندما همّ بقتل أحد المشركين، فبصق فيوجهه، فتركه، فسأله: "لما لم تقتلني؟" فأجابه: " كنت سأقتلك لله، أما و قد بصقت عليك كنت سأقتلك لنفسي، فعفوت "فهل لنا بيقظة تلتقط الهوى كتلك !





هناك تعليقان (2):

أشرق كالشمس.. يقول...

رائـــع جدا سهام.. فتــح الله عليكِ وزادك من فضله :)

أسحار

asmaa يقول...

السلام عليكم

ختي سهام تبارك الله عليك! عافانا الله و إياك من عبودية الهوى...

أسماء أم عبد الرحمان