عندما تسقط فتجزم ألاّ نهوض، وتنزل لدرجة يصعب معها الصعود، فلا تجد لنفسك عزما، و لا قوة و لا فهما،، هنا.. تقرر ألاّ تعود، و توقن بانتهاكك للعهود، فتولي الأدبار تاركا، النور إذ أصبح خافتا، فتدفن قلبك الذي مات، و تشتغل أنت بالتفاهات، و لكن القلب المدفون تحرك، فنفض عنه التراب و استدرك، فبرز سر واحد جبار، ينقذ القلوب قبل أن تنهار ..انه الإصرار. إصرار رغم الخطأ و الزلة، إصرار رغم الهوان و الذلة! إصرار حتى الوصول، إصرار حتى القبول..

الخميس، 26 مارس 2009

خيبة.. تـُنبت أملاً

خيبة: عندما لا يكون الإنسان نفسه، لن يكون آخرًا، ثم إنه لن يكون.

.
.

إنه الآتي متعثراً في سرواله الهيبيي، منتشيا بمشيته الطاووسية ، لا يؤخر رجلا ليقدم أخرى فحسب، بل يؤخر نصفه الشمالي كله، ليقدم الآخر اليميني كله، فيمشي بكليته. حتى كتفيه النحيلتين لم تسلما من تمايله، كأنما يتمرد على صباه و يعلن اللانتماء، و يستجدي بالرجولة كي تدون اسمه في سجل الكبار . هكذا هو مذ اخشوشن صوته ، و أصبح ينعث أمه "بالوالدة" بدل "ماما" ، و يقبل يد "الواليد" برسمية و ينصرف دون أن يرتمي في أحضانه كما كان. يستيقظ متأخرا و يعود إلى البيت متأخرا ، و يأكل وحده متأخرا..عن كل باقي إخوانه الصغار ، ربما لأنهم صغار في حينٍ هو قد كبر ، كبر لدرجة لم تعد تستوعب مائدة ، سفر، حديث، علاقات أسرية ! وحدهم الأصحاب من يفهمونه، من يدركون حقيقة رجولته المتصابية، أو صباه (المُـترجل).. و يبقى رأس الدرب شاهداً و مشهودا ، يتعقب الانفجارات النفسية، يلتقط الزلات، ينتشل اللغثات.. يهوي بها في عالم الانحراف !

.

.

سرواله عصري،قميصه عصري، حذاؤه عصري ، تسريحة شعره عصرية، لا يختلف كثيرا عن البقية الآخرين ، اللذين جردتهم "العصرنة" من خصوصياتهم البشرية و جمعتهم تحت نمط هوليودي واحد موحد ، لا تركتهم شعوبا و قبائل ليتعارفوا، و لا علمتهم ذوقا و أدبا !

.

.

كان من بين الضحايا الأوائل لهذه الرجولة المعلنة ذات أوان ، المعلم الذي علمه الوقوف احتراما له عند دخوله القسم، فلم يعد يكتفي بالوقوف، بل صار يتسكع بين الصفوف آن الدراسة !

و الأب الذي كان يرفض نقاشا في ما مضى، صار يشتاق لمجرد أخذ ورد. لكن ابنه التف في غموضه ، انطوى على أسراره التي يجهلها الأقربون ، و يعلمها جميع من يقصدون رأس الدرب !

و الأم التي انهمكت دهرا من الزمان، تدلل صغيرها بشتى أنواع الدلال،تنعته بالرجل، تناديه بالرجل، تؤكد له كل يوم أنه رجل.. لكنها نسيت أن تشرح له يوما.. معنى الرجولة !

.

.

صرخة فـتى: الرجولة تغتالني.. تسبقني إلى نفسي دون أن أعرف كيف أكونها !!

.

.

يستجدي بكل رصيده اللغوي الأجنبي حين يريد أن يظهر أنيقا في كلامه،ليس مهما ان يكون فرنسيا أو انجليزيا أو اسبانيا او أيطاليا، المهم ان العربية لا توحي بالثقافة. منبهر بكل شيء آتي من هناك (غربا بالتحديد) ، يحفظ أسماء جميع اللاعبين و اللاعبات، المغنيين و المغنيات، الممثلين و الممثلات، الأحياء منهم و الأموات . بانبهاراته المتأججة ، و قدواته الهزيلة ، و أفكاره الغائبة ، ذات لحظة سقطت قبعة أحدهم (شبيه به إلى حد كبير) و هو يمشي أمامه، لا يعرفه اسمه، أراد أن ينبهه، التقط القبعة (العصرية طبعا) و نده: خويا.. خويا آآآسي محمد !

من الغريب فعلا أن آخر فيلم علق بروحه كان اسم بطله جاك، و آخر تسديدة كادت تخرجه عن صوابه كان صاحبها فرناندو و النغمة التي يدندن بها ما إن يصحو كانت لفرانك .. إلا أنه في هذه اللحظة التلقائية جدا، اللاواعية تماما، نادى شخصا لا يعرفه بــ"محمد" و الأغرب من ذلك أن الآخر استدار مرجحا أن يكون هو المقصود بهذا النداء ..!

و كأن كل هذه الشخصيات التي يعيشها ، لم تستطع أن تتغلغل إلى عمقه لتَكونه، بقي الأصل فيه.. و في كل ابن من أمته، أن يكون محمداً ، حتى و إن لم يعرف عنه شيئا..

.

.

أمل: الجذور الواعية تكتسح اللاوعي ، تنبت زهرا في غابة ارتكست فيها جميع النباتات .





هناك 4 تعليقات:

Unknown يقول...

حكي مالح وجميل
فيه صبغة من السخرية الحلوة ويرسم على قارئه الابتسامة بسهولة..
طريقة سلسة في الكتابة، وأسلوب قصصي يشي بموهبة أنيقة..
تحياتي
أديب النهضة

Mehdi يقول...

السلام عليكم و رحمة الله

ننتظر المزيد دائما ...

بارك الله فيك

ســـهـــام يقول...

السلام عليكم



أخي أديب النهضة،
رأيٌ يشجِّعُ على المحاولة مرّة أخرى .. جزاكَ الله خيراً


------------


خويا المهدي،
زارتنا البركة :) الله يجازيك بيخير

Mehdi يقول...

السلام عليكم

اختي سهام، مرت تسعة اشهر، اتمنى ان تكوني استمريت في الكتابة وخبيتي لينا شي ارشيف :)

في انتظار كتاباتك

في امان الله